1- تعريف الصلاة :
لغة : الدعاء ومنه قوله تعالى : ] وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [ .
وشرعاً : عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم .
2- حكمها :
قال ابن قدامة : ” وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع “ .
قال تعالى : ] وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة [ .
وقال تعالى : ] إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا [ .
كتاباً : أي مفروضاً ، موقوتاً : مؤقتة بأوقات محددة
وعن ابن عمر t قال : قال رسول الله e : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، . . . ) متفق عليه .
وقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة .
3- متى فرضت :
فرضت ليلة الإسراء والمعراج .
عن أنس t قال : قال النبي e في حديث الإسراء والمعراج : ( . . . ففرض الله على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى ، فقال : ما فرض الله ، قلت : فرض خمسين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فوضع شطرها ، . . . فما زال يراجعه حتى قال الله : هي خمس ، لا يبدل القول لدي ) . متفق عليه
وفي رواية لمسلم : ( يا محمد ، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ، لكل صلاة عشر ، فذلك خمسون صلاة ) .
وللنسائي ( وخمس بخمسين ) .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ” خففت فجعلت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان ، فكأنما صل خمسين صلاة ، وليس المراد تضعيف الحسنة بعشر أمثالها ، لأنه لو كان المراد الحسنة بعشر أمثالها لم يكن لها مزية على غيرها من العبادات ، إذ في كل عبادة الحسنة بعشر أمثالها ، لكن الظاهر أنه يكتب للإنسان أجر خمسين صلاة الفعل “ .
4- عدد الصلوات المفروضة خمس .
قال ابن قدامة : ” أن الصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة ولا خلاف في وجوبها “ . ومن الأدلة على أنها خمس :
قوله e : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم .
وقوله e : ( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا ، قال : كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) . متفق عليه
5- حكم تاركها :
تارك الصلاة لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : تاركها جاحداً لوجوبها .
فهذا كافر بالإجماع .
لأنه مكذب لله إذ يقول ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) .
ومكذب للرسول e إذ يقول : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقام الصلاة ،...) متفق عليه
الحالة الثانية : أن يتركها تكاسلاً وتهاوناً .
ففي هذه الحالة اختلف العلماء على قولين :
القول الأول : أنه كافر .
وهذا هو المذهب .
وبهذا القول قال سعيد بن جبير ، والشعبي ، وابن المبارك .
الأدلة :
عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله e : ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم .
وعن بريدة t قال : قال رسول الله e : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي .
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : ( لم يكن أصحاب محمد e يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) رواه الترمذي .
القول الثاني : أنه لا يكفر .
وبه قال الحنفية والمالكية ونسبه النووي للأكثر من السلف والخلف .
الأدلة :
حديث أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) رواه البخاري .
وقوله e : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه مسلم .فقد صرح النبي e أن من قال لا إله إلا الله فقد استحق دخول الجنة .
وقوله تعالى : ] إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ .
والراجح القول الأول أنه كافر .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ” وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر كفر ردة فإنه يترتب على كفره أحكام المرتدين ومنها :
أولاً : أنه لا يصح أن يزوج ، فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل .
ثانياً : أنه إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته .
ثالثاً : لا يرث ولا يورث .
رابعاً : إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين .
خامساً : أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف “ .
فائدة : متى يكفر تارك الصلاة ؟
قيل : بترك فريضة واحدة
وقيل : بترك فريضتين .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ” والذي يظهر من الأدلة : أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً بمعنى وطَّن نفسه على ترك الصلاة ، فلا يصلي ظهراً ولا عصراً ولا مغرباً ولا عشاءً ولا فجراً فهذا هو الذي يكفر ، فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة “ .
انتهى الدرس التاسع والعشرون 17/4/1425هـ
45- عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إيَاسٍ - قَالَ : حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ : (( سَأَلْتُ النَّبِيَّ r : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ , قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , قَالَ : حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي )) .
--------------------------------------
راوي الحديثأبو عمرو الشيباني سعد بن إياس أدرك وقت ظهور النبي e في أول دعوته ولم يسلم إلا بعد وفاته وقد عاش 120 سنة .
عبد الله بن مسعود t صحابي جليل أحد السابقين الأولين وهو ممن جمـع القرآن على عهد رسول الله e وأحد الأربعة الذين أمر بأخذه عنهم مات عام 36 من الهجرة .
الفوائد :
1- أن الأعمال تتفاوت في فضلها ، وأن بعضها أفضل من بعض .
وقد اختلف العلماء في أفضل الأعمال :
فقيل : الصلاة .
وهذا مذهب الجمهور .
لحديث الباب ولغيره من الأحاديث الأخرى التي تدل على منزلة الصلاة .
وقيل : الجهاد .
لحديث : ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ) متفق عليه .
وقيل : الصيام .
ورجحه ابن عبدالبر
لحديث أبي أمامة t قال : ( قلت يا رسول الله دلني على عمل ؟ فقال : عليك بالصيام فإنه لا عدل له ). رواه النسائي
ولحديث أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : ( الصيام جنة من النار ) رواه أحمد .
وقيل : العلم .
للنصوص الواردة الكثيرة في فضله ولنفعه المتعدي .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ” والصحيح أنه يختلف باختلاف الفاعل ، وباختلاف الزمن ، فقد نقول لشخص : الأفضل في حقك الجهاد ، والآخر : الأفضل في حقك العلم ، فإذا كان شجاعاً قوياً نشيطاً ، وليس بذاك الذكي فالأفضل
له الجهاد ، لأنه أليق به . وإذا كان ذكياً حافظاً قوي الحجة ، فالأفضل له العلم ، وهذا باعتبار الفاعل .
وأما باعتبار الزمن فإننا إذا كنا في زمن تفشى فيه الجهل والبدع ، وكثر من يفتي بلا علم ، فالعلم أفضل من الجهاد ، وإن كنا في زمن كثر فيه العلماء ، واحتاجت الثغور إلى مرابطين يدافعون عن البلاد الإسلامية ، فهنا الأفضل الجهاد . فإن لم يكن مرجح ، لا لهذا ولا لهذا ، فالأفضل العلم “ .
2- سئل النبي e عن أفضل الأعمال ، فأجاب بإجابات متعددة مختلفة ، ومن ذلك :
أ- سئل e أي الإسلام خير فقال : ( تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )متفق عليه
ب-وسئل e أي العمل أفضل فقال : ( إيمان بالله ورسوله ، قيل ثم ماذا ، قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم ماذا ، قال : حج مبرور ) متفق عليه .
ج- وسئل e أي الإسلام أفضل فقال : ( من سلم المسلمون من لسانه ويده ) متفق عليه .
أجاب العلماء عن اختلاف الأجوبة مع اتحاد السؤال أن ذلك يرجع :
1. أن الجواب يختلف باختلاف أحوال السائلين ، بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق معهم .
2. أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل من غيره .
3. أو أن المراد ( من أفضل ) .
3- فضل الصلاة على وقتها .
وقد جاء في رواية ( أول وقتها ) لكنها ضعيفة ، وقد اختلف ما المراد بقوله : ( على وقتها ) .
4- استحباب المبادرة للصلاة في أول وقتها .
لقوله تعالى : ] وسارعوا إلى مغفرة من ربكم . . . [ .
ولأن ذلك أسرع في إبراء الذمة [ يستثنى الظهر في شدة الحر ، وصلاة العشاء مع عدم المشقة وسيأتي الحديث عنها ]
5- لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها .
قال تعالى : ] إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا [ .
وقال تعالى : ] فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [ .
قال بعض العلماء : تأخيرها عن وقتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك ، بل يصلي في الوقت بحسب حاله ، فإن كان محدثاً وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى ، وهذا لأن فعل الصلاة في وقتها فرض ، والوقت أوكد فرائض الصلاة “ .
6- فضل بر الوالدين ، قال تعالى : ] قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً [ .
والإحسان إليهما ينقسم إلى قسمين :
1- حال الحيـاة : الإحسان إليهما بالكلام اللين ، والتواضع ، والنفقة ، وخدمتهما ، والتماس رضاهما .
2- بعد الممات : الدعاء لهما ، وإنفاذ وصيتهما ، وإكرام صديقهما .
7- فضل الجهاد في سبيل الله
كما في الحديث السابق : ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ) متفق عليه .
الغدوة : الذهاب أول النهار .
الروحة : الذهاب آخر النهار .
في هذا الحديث ( لغدوة . . . ) فوائد :
1- حقارة الدنيا وتسهيل أمرها .
2- فضل الجهاد وتعظيم أمره .
3- معنى الحديث : أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى .
8- قال العلماء : إنما أخر الجهاد عن بر الوالدين لأن الجهاد في سبيل الله متوقف على إذن الوالدين [ هذا إذا كان تطوعاً ] .
9- إثبات المحبة لله تعالى إثباتاً يليق بجلاله من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل .
- قال تعالى : ] إن الله يحب المحسنين [ .
وقال تعالى : ] إن الله يحب المتقين [ .
وقال e : ( لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) .
10- فقه ابن مسعود ر حيث وقف عن سؤال رسول الله e إلى هذا الحد خشية أن تكثر عليه الأعمال فلا يستطيع الإتيان بها جميعاً ، أو أدباً مع الرسول e حتى لا يثقل عليه في السؤال .
انتهى الدرس الثلاثون
20/4/1425هـ
46- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (( لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي الْفَجْرَ , فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ , مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ , مِنْ الْغَلَسِ )) .
--------------------------------------
معاني الكلمات :
متلفعات : أي متجللات ومتلففات .
بمروطهن : جمع مرط ، وهو كساء مخطط يشبه العباءة .
ما يعرفهن أحد : قيل : ما يعرفن أنساء هن أم رجال [ ورجحه النووي ] . وقيل : ما يعرف أعيانهن .
الغلس : قال النووي : هو بقايا ظلام الليل .
الفوائد :
1- هذا الحديث فيه متى كان النبي e يصلي الصبح ، وأنه e كان يصليها بغلس [ أي يبكر فيها ] .
وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور . [ نووي : 5 / 144 ]
أنه يستحب أن يبكر بصلاة الفجر .
ويدل لذلك أيضاً حديث جابر t قال ( كان النبي e يصليها [ أي الصبح ] بغلس ) متفق عليه .
وقال أبو حنيفة أنه يستحب الإسفار ، واستدل :
بحديث رافع بن خديج قال - قال رسول الله e : ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجوركم ) . رواه أبو داود وهو حديث صحيح
والصحيح القول الأول وأنه يستحب التغليس بصلاة الفجر .
الجواب عن حديث ( أسفروا بالفجر . . . ) : أجاب العلماء عنه بأجوبة :
1- أن المراد بالإسفار هو التأكد من طلوع الفجر .
2- أن المراد بالإسفار إطالة القراءة في الصلاة إلى الإسفار .
3- أنه منسوخ بما تواتر عن رسول الله e من قوله وفعله في التبكير لصلاة الفجر .
2- جواز حضور النساء للمسجد ، لكن بشرطين :
أ- الأمن من الفتنة عليهن أو بهن .
ب- عدم التزين والتطيب .
لقوله e : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات ) رواه أبو داود .
تفلات : غير متطيبات . [ وسيأتي للمسألة مزيد بحث إن شاء الله ]
3- جواز إمامة الرجل للنساء .
وهذه المسألة لا تخلو من أربع حالات :
الحالة الأولى : أن يكون النساء في المسجد مع الرجال ، فهذا جائز .
لحديث الباب .
الحالة الثانية : أن يؤم النساء ومعهن أحد محارمه أو رجل آخر فهذا جائز .
لحديث أنس – وسيأتي : وفيه ( فقام رسول الله e وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ) . متفق عليه
الحالة الثالثة : أن يؤم امرأة واحدة أجنبية منه ، فهذا لا يجوز .
لقوله e : ( لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ) . متفق عليه
الحالة الرابعة : أن يؤم نساء أجانب عنه ولا رجل معهن غيره ولا أحد محارمه .
فهذه الحالة أختلف العلماء على قولين :
قيل : يكره . وقيل : يجوز .
والراجح أنه يكره .
47 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : (( كَانَ r يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ , وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ , وَالْعِشَاءَ أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ . وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ , وَالصُّبْحُ كَانَ النَّبِيُّ r يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ )) .
48 - عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ قَالَ : (( دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ , فَقَالَ لَهُ أَبِي : كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ r يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ؟ فَقَالَ : كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ – الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى – حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ , وَيُصَلِّي الْعَصْرَ , ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ . وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ . وَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ الْعِشَاءِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ . وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا , وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا . وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ . وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ )) .
--------------------------------------
راوي الحديث :
- أبو المنهال سيار بن سلامة البصري ثقة من التابعين مات سنة 129 من الهجرة
- أبو برزة نضلة بن عبيد أو ابن عبد الله الأسلمي أسلم وشهد فتح خيبر ومكة والطائف مات سنة 65 من الهجرة
معاني الكلمات :
الهاجرة : أي وقت شدة الحر .
الشمس نقية : أي صافية بيضاء لم يدخلها صفرة أو حمرة .
إذا وجبت : أي غربت الشمس .
تدحض الشمس : أي تزول .
ينفتل : ينصرف .
الفوائد :
هذه الأحاديث تتكلم عن مواقيت الصلاة .
أولاً : صلاة الظهر :
1- تسمى الهاجرة أو الهجير ، وذلك للوقت التي تقوم فيه وهو وقت اشتداد الحر .
وتسمى الأولى وذلك لأنها أول صلاة صلاها جبريل عليه السلام بالنبي e .
2- وقتها :
يبدأ وقتها إذا زالت الشمس ، وهذا بالإجماع . [ نقله النووي وابن حجر ]
لحديث عبد الله بن عمرو t قال : قال رسـول الله e : ( وقت صـلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ) . رواه مسلم
وينتهي حتى يكون ظل الشيء مثله .
للحديث السابق ( . . . وكان ظل الرجل كطوله ) .
3- يستحب الإبراد في صلاة الظهر في شدة الحر. [ وستأتي مباحث الإبراد في حديث : أبردوا بالظهر . . . إن شاء الله ] .
ثانياً : وقت صلاة العصر :
1- بداية وقتها : إذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر وخرج وقت الظهر .
لحديث عبد الله بن عمرو السابق : ( ووقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت صلاة العصر ) . رواه مسلم
فدل هذا على أنه إذا حضر وقت العصر خرج وقت الظهر .
نهاية وقتها :ينتهي وقتها إذا اصفرت الشمس .
للحديث السابق : ( . . . ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ) رواه مسلم .
( ذهب بعض العلماء إلى أن وقت العصر ينتهي حين يصير ظل الشيء مثليه ) .
2- للعصر وقت ضرورة .
لحديث أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ). متفق عليه
3- يسن التبكير بها .
ففي حديث جابر ( والشمس نقية ) .
وفي الصحيحين عن عائشة قالت : ( كان رسول الله e يصلي العصر والشمس في حجرتي ) . متفق عليه
فهذا يدل على شدة تبكير النبي e بصلاة العصر فقد كان جدار حجرة عائشة قصيراً ولا تكون فيه الشمس إلا في أول وقت صلاة العصر .
في حديث أبي برزة : ( . . . ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية ) .
4- صلاة العصر هي الصلاة الوسطى . [ وسيأتي بحث المسألة قريباً إن شاء الله ]
ثالثاً : صلاة المغرب :
1- تسمى المغرب لأنها تؤدى بعد غروب الشمس .
وتسميها الأعراب العشاء . وقد جاء النهي عن ذلك :
عن عبد الله المزني أن النبي e قال : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسـم صلاتكم المغرب ، قال : وتقول الأعراب : هي العشاء ) . متفق عليه
وسبب المنع :
قيل : أنها قد تلتبس بصلاة العشاء الآخرة ، لذلك بعض العلماء قال لا بأس أن يقال : العشاء الأولى .
وقيل : لأن في ذلك تشبهاً بالأعراب ، والأعراب يغلب على حالهم الجفاء والجهل ، وهذا الأقوى .
2- بداية وقتها :
يبدأ وقتها إذا غربت الشمس بالإجماع . [ نقله ابن قدامة والنووي ]
قال النووي : ” أول وقت المغرب إذا غربت الشمس وتكامل غروبها وهذا لا خلاف فيه “ .
لحديث جابر : ( أن النبي e كان يصلي المغرب إذا وجبت ). متفق عليه
3- نهاية وقتها : ينتهي وقتها بغياب الشفق .
لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي e قال : ( إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق ) . رواه أبو داود
ولحديث زيد أن النبي e : ( قرأ في المغرب بطولى الطوليين ) . رواه الترمذي
وهي سورة الأعراف كما جاء عند النسائي ، ولا شك أن سورة الأعراف لا يمكن أن تقرأ إلا في وقت طويل .
[ ذهب بعض العلماء إلى أن وقت المغرب وقت قصير يبدأ بعد غروب الشمس بقدر ما يتسع لوضوء إنسان أو غسله إن احتاج إلى غسل ثم قدر خمس ركعات وهو قول ضعيف ] .
4- المراد بالشفق : هو الحمرة وهذا قول جمهور العلماء .
رابعاً : صلاة العشاء :
4- تسمى العشاء ، كما في قوله تعالى : ] من بعد صلاة العشاء [ .
وتسمى العشاء الآخرة ، كما في قوله e : ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) . رواه مسلم
وتسمى العتمة ، كما في قوله e : ( لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ) . متفق عليه
العتمة : العشاء .
لكن جاء النهي عن تسميتها بالعتمة :
عن ابن عمر t قال : قال رسول الله e : ( لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء وأنهم يعتمون بحلاب الإبل ) . رواه مسلم
فاختلف العلماء في تسميتها بذلك :
فقيل : بالجواز .
لحديث ( لو يعلمون ما في العتمة . . . ) .
وقيل : بالكراهة .
لحديث ( لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم . . . ) .
وقيل : الجواز بشرط عدم هجران الاسم الشرعي وهو العشاء ورجح هذا ابن القيم .
قال ابن القيم : ” والتحقيق : كراهية هجر الاسم المشروع وهو العشاء ، والاستبدال به اسم العتمة ، فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يهجر ، وأطلق الآخر أحياناً فلا بأس وعلى هذا تتفق الأحاديث “ . [ تحفة الودود 99 ]
5- بداية وقتها :
أول وقت صلاة العشاء هو مغيب الشفق .
وقد نقل الإجماع في ذلك [ ابن قدامة ، والنووي ] .
لحديث ابن عباس ( في إمامة جبريل للنبي e وصلى به العشاء وحتى غاب الشفق ) . رواه مسلم
نهاية وقتها :
الصحيح أنه إلى نصف الليل .
لحديث عبد الله بن عمرو وفيه : ( فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى منتصف الليل ) . رواه مسلم
ورجح هذا القول الإمام البخاري وابن حزم والشوكاني .
[ هناك أقوال أخرى ، فقيل : إلى ربع الليل ، وقيل : إلى ثلث الليل ] .
6- الأفضل في صلاة العشاء التأخير إلا إذا كان يشق . [ سيأتي بحث هذه المسألة ]
خامساً : صلاة الفجر :
1- تسمى الصبح كما في قوله e : ( ووقت صلاة الصبح . . . ) .
2- وتسمى الفجر كما في قوله تعالى : ] من قبل صلاة الفجر [ .
3- وتسمى الغداة كما في قول عائشة : ( كان النبي e لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعت